قصة ام الكتاب
أم الكتاب
سلمى بصوت منخفض: «لا أقرأها في كل ركعة، وأكتفي بقراءتها في الركعة الأولى فقط، صاح سمير : إنها ركن من
أركان الصلاة ونقصانه يبطلها كلها .
مدونة تهتم بالقصص والعبر وكل ماهو مفيد
قصة ذو البجادين قصة دينية رائعة من اجمل قصص السيرة النبوية استمتعوا الآن معنا بقراءتها في هذا المقال من خلال مدونتنا، ننقلها لكم بقلم : يحيي بشار حاج يحيي
قصة ذو البجادين
اسمه عبد العزي، هكذا اسماه اهله ولم يكن يدري أول الامر ان اسمه يعني عبداً للصنم الذي يقدسه اهل الجاهلية .. عاش هذا الفتي حياته الاولي في قومه يتيماً فقيراً لا مال له، فقد مات ابوه ولم يترك له شيئاً يذكر ولكن عمه كفله واعتني به ولم يتخل عن مساعدته فأحس كانه لم يفقد اباه، وان اباه لم يزل حياً يتابع امره، ويسعي في حاجاته .. كبر الفتي وصار لديه مال وفير ولم ينس لعمه ما قدمه في سبيله فنشأ وفياً محباً له ، لا يقدم علي رأيه رأياً، وكان عمه فخوراً به يعتز بطاعته له .
وعاش الفتى في قبيلته التي تنزل في سفح جبل لايبعد كثيرا عن المدينة المنورة وكانت أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبار عداوة المشركين له، وانتصاراته عليهم تصل إلى القبيلة، ويسمعها الفتى، ويجد في نفسه رغبة شديدة للاستكثار منها، كما كانت أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الصدق والأمانة والشجاعة والوفاء تهز مشاعره، وتزيده إعجابا به. كانت الأيام تمر، والأخبار تتوالى لتصبح حديث المجالس في القبيلة وكان الفتى يجد نفسه متعاطفة مع المسلمين، میالا إليهم، فقد فرح كثيرا حين بلغه نبأ هزيمة المشركين في بدر وحزن كثيرا حين سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم جرح في غزوة أحد، وأن عددا من أصحابه استشهدوا، ومن بينهم عمه حمزة ابن عبد المطلب. لم تعد نفس الفتی تحتمل هذه الحال، فهاهي ذي الأيام تمر، والمعارك بين المسلمين وأعدائهم تتوالى، والأخبار تنتقل عن إقبال الناس على الدخول في الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية كلها!!
وفي أحد الأيام أحس برغبة شديدة للخلاص مما هو فيه من انتظار، لقد سئم هذا الاسم عبد العزی» فیکف يكون عبدا لحجر؟! وازداد كرهه للأصنام، ونفر قلبه من عبادها واشمأزت نفسه من الذين يقدسونها؟!! فكر الفتي طويلاً ومرت عليه الساعات وهو في ظل صخرة يتأمل الشمس وغروبها والجبال وارتفاعها وجمال الكون وتناسقه العجيب، فردد في نفسه ما اجمل هذه المخلوقات وما اعظم الله الذي خلقها ! لقد عزم أكثر من مرة علي الدخول في الاسلام ولكنه كان في كل مرة يحسب لعمه حساباً فهو لا يريد أن يغضبه وقد رباه ولا يريد أن يزعجه وقد اطاعه ولكنه في هذه المرة لا يستطيع أن يستمر في طاعته ورضاه ، فطاعة الله الذي خلقه وأوجده أولي من طاعة عمه، ولا يستطيع أن يستمر في حرمان نفسه من نعمة الاسلام، وليس بينه وبينها سوي ان يتوجه الي المدينة ويعلن اسلامه بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
ما أصعبها من لحظات! وما أشدها؟ ولكن عزيمته في هذه المرة جعلته يحس أن الأمر وصل إلى منتهاه، وأنه لابد من وضع حد لما يعاني منها توجه الفتى في اليوم التالي إلى منزل عمه في وقت لايكون معه أحد، سلم عليه، وأكب عليه يعانقه، ورحب العم به، وأشعره كما في كل مرة يلقاه فيها بأنه حبيب الى قلبه، قريب من نفسه.
ومرت لحظات من الصمت، وعمه ينظر إليه، وهو مطرق رفع الفتی رأسه وقال في صوت منخفض ياعم لقد مر على وقت طويل وأنا أنتظر إسلامك، فإن كنت لاتريد محمدا فأذن لي في الإسلام. قال الفتى هذه الكلمات وكان قلبه هو الذي يتحدث لا لسانه ولكن جواب العم لم يكن كما يريد، ولم يكن أيضا كما يتوقع. فقد أحمر وجهه، وانتفض كمن لدغته أفعی، وانفجر غاضبا وقال: والله لئن اتبعت محمد لا أترك بيدك شيئا كنت قد أعطيته لك، ولأنزعنه منك فتقعد فقيرا محتاجا، ليس في يدك شئ ثم مد يده بقسوة الي صدره وشد ثوبه بعنف وقال : لا اترك لك شيئاً حتي هذان الثوبان اللذان تلبسهما سوف اسلبهما منك، فاخترك لنفسك اما ان تصبح فقيراً لتكون مع محمد وتعبد ربه واما ان تبقي غنياً مع عمك وتعبد آلهة آبائك واجدادك .
لم يكن الفتي يحتاج الي وقت ليفكر فيه، ويختار أحدا الأمرين، فهو قد عزم من قبل على الإسلام ، وأحس بالخسارة الكبيرة التي لحقت به بسبب تأخره عن الدخول فيه. فقال في ثبات وجرأة: أما أنا فإنني -والله- متبع محمدة، وتارك عبادة الحجر، فخذ ما أعطيتني ولم ينتظر العم الغاضب طويلا حتی جرده من كل ماله، ولم يبق على الفتى إلا ثوباه، فنزعمهما عنه، وهو يقول: وهذا الثوبان اللذان تلبسهما هما من مالي الذي أعطيته .
أحسن الفتى في اللحظة التي جرده عمه فيها من ماله، كأن حملا ثقيلا قد نزل من كتفيه، وفي اللحظة التي نزع فيها العم ثوبيه عنه كأن ثياب العبودية لغير الله قد نزعت عنه أيضا؟!! وأن حواجز كثيرة قد سقطت من أمامه، وأن الطريق الى المدينة المنورة قد اختصر، فصار أقصر مما كان!! فدخل على أمه فرحا مستبشرة، وحدثها بما كان بينه وبين عمه، فقامت وأحضرت له کساء غليظا يسمونه «البجاد» فكسته به، فانطلق الي رسول الله صلي الله عليه وسلم ولما اقترب من المدينة شق البجاد فشد قسماً علي خصره ورد القسم الآخر علي كتفيه .
ودخل المسجد قبيل الفجر وحضر الرسول صلي الله عليه وسلم بعد انقضاء الصلاة تفقد النبي عليه الصلاة والسلام الحاضرين كما كان يفعل فرأى شابة غريبة لم يره من قبل؟! فقال له : من أنت؟ قال الفتى: سماني أهلي «عبد العزی» وجئتك مسلما.. وقص عليه قصته مع عمه، وكيف نزع ثوبيه عنه، وأمر البجاد الذي شقه إلى قطعتين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت عبد الله، ذو البجادين سر الفتي كثيرا، وقال في نفسه: لقد كنت أحس من قبل بأنني عبدالله، ولا عبد العزى، منذ أن سمعت بخبرك يارسول الله! وفرح فرحا لايعادله فرح حين صار اسمه «عبد الله»، وأن الرسول هو الذي سماه به، وزاد فرحه حين طلب الرسول صلي الله عليه وسلم أن يكون قريبا منه. ونزل عبد الله ضيفا على الرسول الكريم، فقرأ من القرآن الشيء الكثير، ومرت الأيام سعيدة بقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم فلما خرج النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك الملاقاة الروم خرج معه، وقال: یارسول الله ادع لي بالشهادة في سبيل الله.
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يده، وربط عليها قشرة شجرة، ودعا له بأن يحرم الله دمه على الكفار. فقال: ليس هذا أردت.. وقد أراد أن يدعو له الرسول الكريم أن يقتل وهو يقاتل الكافرين فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن المجاهد في سبيل الله لو أصابه مرض، فأدى إلى وفاته فهو شهيد، ولو سقط عن ظهر دابته فمات فهو شهيد!! وبقي عبد الله ذو البجادین أياما مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم وافاه الأجل. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وبلال رضي الله عنهم إلى دفنه وأنزله في قبره بيده، ولما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يده، وهو يقول: « اللهم اني أمسيت عنه راضيا فارض عنه » فتمنى عبد الله بن مسعود أن يكون مكان ذي البجادين حين سمع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وكان قد أسلم قبله بخمسة عشر عاما.
عمر ابن الخطاب
اسمه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي.
والدته حنتمه بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهي ابنة عم أم سلمة وخالد بن الوليد وأبو جهل .
ولد بعد عام الفيل العام الذي ولد فيه النبي صل عليه وسلم بنحو 13 عاما، وترعرع عمر بن الخطاب في قريش، وتعلم القراءة وأتقنها، عمل في رعي الابل وهو مازال صغيرا.
ويقال أن والده كان قاسيا في معاملته، تعلم فن المصارعة وركوب الخيل وأتقن الفروسية والشعر، تعلم التجارة وكسب منها الكثير فأصبح غنيا من أغنياء مكة.
لما وقع بين قريش وغيرها من القبائل معارك كان يبعث بعمر بن الخطاب كسفير، يقال أن قبل إسلامه كان يعشق الخمر والنساء.
لما أنتشر الإسلام عادى عمر بن الخطاب الرسول صل الله عليه وسلم وكل من آمن مثل باقي المشركين وأشراف مكة، وكان قد عذب جارية أسلمت من أول طلوع النهار حتى آخر الليل.
ولما أمر الرسول صل الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة للحبشة، خاف عمر من انفراط أمر قريش وأبنائها، فقرر أن يقتل محمد صل الله عليه وسلم ولم يكن لديه أي مشكلة في أن يقتله بني هاشم للثأر لقتله محمد صل الله عليه وسم.
ولكن عمر بن الخطاب كان في صراع داخلي قوي وكان يتساءل هل هؤلاء الناس على خطأ ونحن على صواب أم ماذا، ويوما أهان حمزة بن عبدالمطلب أبو جهل خال عمر بن الخطاب، فقرر عمر الانتقام لكرامة خاله أبو جهل.
فقصد بيت محمد صل الله عليه وسلم فقابله في الطريق صحابي اسمه نعيم بن عبدالله العدوي القرشي فأخبره بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها ابن عمه، فأسرع لبيت أخته وكان الصحابي خباب بن الأرت يعلم فاطمة وزوجها القرآن.
فدخل عمر عليهم وضرب زوج أخته، وضرب أخته ضربة أسقطتها أرضا، وسقطت من يدها صحيفة مكتوب عليها الآيات الأولى من سورة طه، ولما أراد عمر مسكها قالت له أخته لا يمكن له أن يمسكها الا بعد أن يتوضأ، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة.
فشعر عمر بن الخطاب أن قلبه ووجدانه كله يهتز وأسلم في الحال، أي أنه أسلم في السنة الخامسة للبعثة، وبهذا استجب الله تعالى لدعوة النبي صل الله عليه وسلم لما دعا وقال: ( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام. قال: “وكان أحبهما إليه عمر).
هاجر عمر بن الخطاب لما أمر الله رسوله وأصحابه بالهجرة ليثرب على مرأى ومسمع من جميع كفار قريش قد وقف وقال لقد قررت الهجرة فمن أراد أن يموت فليحق بي، وهاجر معه عشرين شخصا، ولما وصل النبي صل الله عليه وسلم الى المدينة آخى بين عمر بن الخطاب أبو بكر الصديق وفي رواية أخرى أنه آخى بينه وبين صحابة آخرين من الأنصار، وكان لعمر بن الخطاب دور هام في غزوات النبي صل الله عليه وسلم.
ولما فتح المسلمين مكة، أدى عمر بن الخطاب مع النبي حجة الوداع، ولما توفي النبي لم يصدق عمر خبر وفاة النبي صل الله عليه وسلم، وهدد بقتل كل من يردد خبر الوفاة، ولكنه بعد ذلك ادرك الموقف جيدا، وبايع أبو بكر ليكون خليفة رسول الله، وسانده طوال فترة خلافته.
ولما توفي أبوبكر تولى هو خلافة المسلمين، واستكمل فتح الشام، والعراق، وفارس، ومصر، برقة وطرابلس الغربية، وواجه الجفاف الذي أصاب الشام مدة 9 أشهر، والطاعون الذي أصاب كل من سكن قرب بيت المقدس.
أحسن عمر ادارة شؤون البلاد بشكل جيد، فوسع رقعة الدولة الإسلامية ، رمم المسجد الحرام والمسجد النبوي، قسم الدولة الإسلامية لأمصار، وأسس النظام المركزي الإداري، والدواوين، وأسس الجيش والشرطة وأقام القضاء والمحاكم، وعمل بالتأريخ الهجري.
ويوما ما أتى أبو لؤلؤة فيروز الفارسي فطعنه بخنجر بنصلين 6 طعنات متتالية وكان يصلي بالناس صلاة الفجر كعادته وحمل لمنزله، وأوصى عمر بن الخطاب أن يتولى من بعده واحد من هؤلاء عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص.
ومات عمر بعد 3 أيام من حادثة طعنه، وكانت خلافته استمرت 10 سنوات و 6 أشهر وأربعة أيام، وتولى بعده عثمان بن عفان.
أبو ذر الغفاري
إنه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة -رضي الله عنه-، ولد في قبيلة غفار، وكان من السابقين إلى الإسلام، وكان أبو ذر قد أقبل على مكة متنكرًا، وذهب إلى الرسول وأعلن إسلامه، وكان الرسول يدعو إلى الإسلام في ذلك الوقت سرًّا، فقال أبو ذر للنبي : بم تأمرني؟ فقال له الرسول : (ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري)، فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها (أي الشهادة) بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد ونادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
فقام إليه المشركون فضربوه ضربًا شديدًا، وأتى العباس بن عبد المطلب عم النبي فأكب عليه، وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه طريق تجارتكم إلى الشام؟ فثابوا إلى رشدهم وتركوه، ثم عاد أبو ذر في الغد لمثلها فضربوه حتى أفقدوه وعيه، فأكب عليه العباس فأنقذه.[متفق عليه].
ورجع أبو ذر إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام، فأسلم على يديه نصف قبيلة غفار ونصف قبيلة أسلم، وعندما هاجر النبي إلى المدينة، أقبل عليه أبو ذر مع قبيلته غفار وجارتها قبيلة أسلم، ففرح النبي وقال: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله) [مسلم]. وخصَّ النبي أبا ذر بتحية مباركة فقال: ما أظلت الخضراء (السماء)، ولا أقلت الغبراء (الأرض) من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر[الترمذي وابن ماجه].
وكان أبو ذر من أشد الناس تواضعًا، فكان يلبس ثوبًا كثوب خادمه، ويأكل مما يطعمه، فقيل له: يا أبا ذر، لو أخذت ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما ثوبًا واحدًا لك، وكسوت عبدك ثوبًا آخر أقل منه جودة وقيمة، ما لامك أحد على ذلك، فأنت سيده، وهو عبد عندك، فقال أبو ذر: إني كنت ساببت (شتمت) بلالاً، وعيرته بأمه؛ فقلت له: يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله ، فقال لي النبي : (يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، فوضعت رأسي على الأرض، وقلت لبلال: ضع قدمك على رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي بلال: إني سامحتك غفر الله لك، وقال : إخوانكم خولكم (عبيدكم)، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [البخاري].
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يحب الله ورسوله حبًّا كبيرًا، فقد روى أنه قال للنبي : يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، فقال له النبي : (أنت مع مَنْ أحببت يا أبا ذر) فقال أبو ذر: فإني أحب الله ورسوله، فقال له النبي : (أنت مع مَن أحببت) [أحمد]، وكان يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده (يسأل عنه) إذا غاب.
وقد أحب أبو ذر العلم والتعلم والتبحر في الدين وعلومه، وقال عنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: وعى أبو ذر علمًا عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه فلم يخرج شيئًا منه. وكان يقول: لباب يتعلمه الرجل (من العلم) خير له من ألف ركعة تطوعًا.
وكان -رضي الله عنه- زاهدًا في الدنيا غير متعلق بها لا يأخذ منها إلا كما يأخذ المسافر من الزاد، فقال عنه النبي : (أبو ذر يمشى في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام) [الترمذي].
وكان أبو ذر يقول: قوتي (طعامي) على عهد رسول الله صاع من تمر، فلست بزائد عليه حتى ألقى الله تعالى. ويقول: الفقر أحب إليَّ من الغنى، والسقم أحب إليَّ من الصحة. وقال له رجل ذات مرة: ألا تتخذ ضيعة (بستانًا) كما اتخذ فلان وفلان، فقال: لا، وما أصنع بأن أكون أميرًا، إنما يكفيني كل يوم شربة ماء أو لبن، وفي الجمعة قفيز (اسم مكيال) من قمح. وكان يحارب اكتناز المال ويقول: بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة.
وكان يدافع عن الفقراء، ويطلب من الأغنياء أن يعطوهم حقهم من الزكاة؛ لذلك سُمي بمحامي الفقراء، ولما عرض عليه عثمان بن عفان أن يبقى معه ويعطيه ما يريد، قال له: لا حاجة لي في دنياكم.
وعندما ذهب أبو ذر إلى الرَّبذة وجد أميرها غلامًا أسود عيَّنه عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ولما أقيمت الصلاة، قال الغلام لأبي ذر: تقدم يا أبا ذر، وتراجع الغلام إلى الخلف، فقال أبو ذر، بل تقدم أنت، فإن رسول الله أمرني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا أسود. فتقدم الغلام وصلى أبو ذر خلفه.
وظل أبو ذر مقيمًا في الرَّبَذَة هو وزوجته وغلامه حتى مرض مرض الموت فأخذت زوجته تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: ومالي لا أبكي وأنت تموت بصحراء من الأرض، وليس عندي ثوب أكفنك فيه، ولا أستطيع وحدي القيام بجهازك، فقال أبو ذر: إذا مت، فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكما فقولا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلا ما أمر به، فمرَّ بهم عبد الله بن مسعود مع جماعة من أهل الكوفة، فقال: ما هذا؟ قيل: جنازة أبي ذر، فبكى ابن مسعود، وقال: صدق رسول الله : يرحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده)، فصلى عليه، ودفنه بنفسه. [ابن سعد]، وكان ذلك سنة (31هـ) وقيل: سنة (32 هـ).